ماذا بعد النهايه؟!!.. ((الحافله المظلمه)

جلست ريماس بهدوء في الحافلة المظلمة .... كون السائق قد ركنها أسفل أحد مظلات موقف السيارات..

أخذت تشرب من زجاجة المشروب الغازي , وتنظر إلى الساعة بمعصمها بين الفينة والأخرى..

فقد مرت خمس دقائق ولم يحضر غيرها للحافلة...

تنهدت بضجر وهيا تراقب السيارات القادمة والذاهبة.. إلى أن غلبها النعاس...

وبنفس الهدوء والسكينة التي رقدة بها استيقظت بعيني حالمتين وقد حل الظلام وغزا أركان المكان...

فنهضت فزعه من مكانها حتى ارتطم رأسها بالسقف... وأخذت تتلفت بهسترية لتتفقد المكان..

لتجد نفسها ما زالت في نفس الحافلة وبنفس مكانها الذي جلست فيه عند الظهيرة...

استنكرت الأمر ... كيف بقيت راقدة كل هذا الوقت.. لوهله شعرت بأنها تعيش حلم مزعج ...

قرصت ذراعها حتى أحست بالألم... فما كان منها إلا أن ترجلت من السيارة بخوف شديد...

وهيا تتفقد ساعة معصمها التي أخذت تشير للوحدة صباحا بكل سخريه بوجهها...

تزاحمت قطرات الدموع عند بوابة جفنيها... وترددت خطوتها وهيا تسير بموقف السيارات الموحش ..

ومع الظلال التي رسمت المنظر المرعب للكلية قالت ريماس تخاطب نفسها:

" إن كنت أخاف الكلية بالنهار ... فماذا سأقول الآن"..

وما إن وصلت لمنتصف الطريق حتى تذكرت هاتفها النقال فعادة مسرعه إلى الحافلة...

حملت الهاتف لترى عشر مكالمات فائته من والدها...

فحاولت أن تطلبهم مجددا ولكن ما من مجيب.. فخشيت أن يكون قد حصل الاسوء بغيابها...

أو أن والدتها قد تعبت كالعادة...

فكرت بالخروج من هذا الصندوق المستطيل المحمل على أربع عجلات..

ولكن أين تذهب بهذه الليلةالسوداء المخيفة...

ومن أين سوف تستجمع الشجاعة لتسير بمفردها بهذا الوقت..

وشيئا فشيئا أخذت الأفكار الغريبة والأحداث تغزو عقلها المضطرب ...

كيف لم يسأل عنها احد إلى هذا الوقت المتأخر ؟؟.. ولماذا لا يجيب احد على هاتفه ؟؟؟!! ...

وكيف لم يعثر عليها رجال الشرطة إن كان والدها قد ابلغ عن اختفائها؟؟!!!..

وأكثر ما أثار جنونها... لماذا لم يوقظها أحد وتركوها بالحافلة بمفردها؟؟؟

ولماذا مازالت الحافلة موجودة بموقف السيارات الكلية؟؟؟؟

عندها خطر ببالها انه ربما قام السائق بتغير الحافلة لعطل ما وكونها جديدة لم ينتبه احد لغيابها...!!

وعندما كانت على وشك أن تشتم بغضب لمحت شخص يقترب من الحافلة...

كان شكله مريب فخافت كثيرا.. كونه يسير مباشره بالاتجاه الذي كانت تجلس فيه..

وكأنه رآهارغم الظلام الذي لف المكان...

أسرعت واختبأت أسفل الكرسي الذي جلست عليه.. وبقيت هناك تترقب مرور المجهول بسلام...

فزعت فجاءه وكتمت أنفاسها براحة يديها عندما تتالت الطرقات على زجاج النافذة...

أخذت ريماس تشد على أنفاسها الهاربة خوفا قدر الإمكان...

وخطوات ذاك المجهول تتجول بالمكان إلى أن وصلت إلى باب الحافلة..

فطرق عليه طرقه شديدة كانت لتوقف قلب ثور من الفزع..

ولكن ريماس كانت بالأساس على وشك أن تفقد وعيها لافتقارها للأكسجين...

وتتمنى لو أن قلبها يتوقف حتى لا ينفذ صوت ضرباته إلى الشخص الذي عانق الظلام بالخارج...

وقف قليلا ذاك الغريب المجهول لدقائق وعندما لم يتلقى ردا غادر المكان بخطوات واضحة عميقة وسريعة...

وما إن ابتعدت تلك الخطوات حتى أفلتت ريماس أنفاسها المذعورة... وتنفست الصعداء...

وهيا تدعو الله أن ينجيها.. وما إن سكن المكان حتى أطلت بخلسه من أحد النوافذ لتتفقد المكان...

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه

صرخت فجاءه وعينها قد تسمرت بعينيه عندما ظهر لها من العدم...

تعالت صرخات ريماس تطلب النجدة وبالمقابل تشقق زجاج النافذة من شدة ضرباته عليها...

فقد كانت أشبه بمطرقة...

كان صعب على تلك الفتاة البأسه أن ترى ملامحه التي مزجت بالظلام...

فكل ما وصل إلى بصرها الذي ألفى النور قليلا هو خيالات يده التي لم تؤلمه وتابعت الطرق بعناد..

شعرت بأنه يتلاعب بمشاعرها ويحاول فقط أن يعذبها..

فما كان منها إلا أن أغمضت عينها بشدة محاولة أن تحبس دموعها وتكورت في ركن السيارة البعيد..

وهيا تدعو وتردد:" يا ألهي ارحمني ... يا ألهي ارحمني.. يا ألهي... ارحمني .."

لتفتح عينيها وقد أختفي ذاك الشيء مخلفا ورائه زجاج محطم...

تعالت شهقاتها بصعوبة بالغه وهيا تشق طريقها وسط الدموع...

ليعود الطرق مجددا ولكن بصوره اخف...

فأسرعت تؤمن الأبواب و أختبات أسفل المقاعد مجددا...

وهيا تأن من شدة الخوف والبكاء...

لتسمع بعد فتره صوت أحد يحاول فتح الباب المخصص لنزول الركاب من الحافلة...

من ثم انتقل إلى الأبواب الأخرى يحاول فتحها وكذالك النوافذ ولكن دون جدوه...

وريماس طوال الوقت تدعي بكل ذره من كيانها أن تشرق الشمس قبل موعدها فقط في هذه الليلة المشؤومه...

ليأتي صوت قاطعا أنينها الخافت كون نصفه قد ضاع برجفات جسدها الرقيق مثل محرمه ورقيه غرقة وسط الدموع...

كان صوت مألوف واضح...

" ريماس ... ريماس افتحي الباب... ريماس"

نهضت مسرعه من مكانها عندما سمعته وهيا تردد: " أبي... انه أبي .. اعرف صوت أبـ..."

لتفاجئ يأمراه قبيحة أحاط بها السواد وقد ألصقت وجهها بنافذة الباب المخصص لركاب الحافلة...

وأنيابها تلمع بشكل غريب وسط الظلام وهيا تردف: " أنتي هنا إذا.. هيا افتحي الباب"

لا مجال الآن للإختبى فقد رأتها...

رأتها تلك المخلوقة التي لم تكن تتوقع بأنها موجودة على نفس الكوكب الذي تتنفس هيا منه..

نظرت بفزع خلفها بعد أن سمعت صوت أخر...

وقد كان نفس الطرق ونفس ذاك الشخص المجهول الذي التهم الظلام ملامحه...

ووسط هذه الجلبة لم تجد ريماس نفسها إلا وقد فقدت وعيها من شدة الخوف...

نهضت ريماس بعد أن أرقها صوت منبه الهاتف النقال...

لتجد بأنها ما تزال بنفس الحافلة وبنفس وضعيتها التي كانت عليها قبلا..

والأدهى من ذالك وجدت أن زجاج النافذة المهشم قد عاد كما كان دون حتى شق صغير..

وهاتفها يحمل نفس المكالمات العشرة الفائتة...

وكان الليلة السابقه قد أعادت نفسها...

وما هيا إلا لحظات حتى يخرج ذاك المجهول يراقبها ويقترب ببطئ ...

أسرعت تغلق الأبواب وما إن وصلت لباب السائق حتى تجد تلك القبيحة تجلس هناك وهيا تناديها..

"ريماس ... توقفي عن اللعب.. ريماس"

أسرعت بدورها محاوله ان تغادر من باب الركاب لتجده يقف هناك...

فما كان منها إلا أن قفزت من احد النوافذ...

ركضت بسرعة شديدة نحو بوابة الكلية...

عبرتها وعبرت الفناء الخارجي ومنه إلى مبنى واحد واثنين وأخيرا توقفت بالحديقة الداخلية...

وهيا تلهث من التعب...

ليتسلل إلى أذنيها صوت .. أو لنقل أصوات... أشبه بأناس يتحدثون.. استغربت لوهلة...

فكل ما يحيطها ممرات يحدها نخيل وبعض الشجيرات...

تتبعت الأصوات كونها ضنت بأنه ربما لأحد حراس الأمن الليليين....

وما أن وصلت إلى مصدره حتى رأت ظلال أُناس يطيرون...

دون أجنحه.. يهيمون بالسماء...

لم تتمكن من رؤية وجوههم بسبب الظلام.. ولكن ما الفائدة الناتجة من خلف أناس يحلقون بالسماء..

عادت مجددا إلى مبنى واحد أو كما يسمى مبنى العميدة...

وبينما هيا تسير وسط الإضائه الخافتة في الردة...

شد بصرها اسمها وقد علق في زاوية الإعلانات... فخطر ببالها أنهم بالتأكيد يعلنون عن اختفائها..

فقرأت الموضوع وسقطت على ركبتها فزعه فقد دون التالي:

( الطالبة ريماس ..المستوى السادس... قسم أحياء...

انتقلت إلى رحمة الله ظهيرة الثلاثاء 22 / 8 /1430 هـ

أدعو لها بالرحمة..)

أخذت تردد: " مستحيل أنا لم أمت.. أنا لم أمت... أنا فقط نائمة.. لقد غفوت فقط..لم أمت..."

فما كان من ريماس إلا أن غمرت وجهها بكفيها ليكونا وعاء لدموعها...

وعند هذا الحد انهي قصة الروح المعلقة في عالم الظلمة...

النهاية....

يا الله كم ارغب أن أتوقف عند هذه الحد...

حتى ارحم يدي من هذه الأسطر المفزعة.. واعتق هذه الصفحات من الأحداث المفجعة..

لدرجة أني مستعدة لفعل المستحيل كي اخط كلمة النهاية بضمير مرتاح...

ولكن على ما يبدو أن الظلام الذي لف عالمها الجديد كان فقط يتسلى إلى الآن...

وما هيا إلا لحظات حتى يعود صوت الطرق مجددا...

أزاحت ريماس يدها ببطئ لتجد أنها بالحافلة ...

ولكن هذه المرة كان النهار قد حل ...

شعرت بشيء أحمر يسير على جبتها تحسسته وكان بلون الأحمر القاني..

نظرت إلى يمينها فرأت نفسها راقدة....

جفلت فجاءه من صوت الطرق على النافذة المهشمة ...

لم تتمكن من روايت صاحبه بسبب الدخان المتصاعد...

وما هيا إلا لحضات حتى سمعت نفس الجملة...

نظرت إلى جسدها الملقى جانبها بكل سكينه.. والذي لم يزعجه صوت الهاتف وهو يتعالى بصخب..

كانت يد قد امتزجت بالدماء تحركه رفعت بصرها لتجدها قد صبغت وجهها بالدماء أيضا..

أخذت تنادي:" ريماس ... توقفي عن اللعب.. ريماس.. انهضي"

ولكن لا صوت لا نبض... لا شيء..

نهضت فتاة التي اتخذت الأحمر القاني حجابا لها لتغادر..

حاولت الفتاة المشدوه من كل ما حولها إيقافها..

ولكن وجدت تلك القبيحة أمامها وقد ركزت عينيها نحوها بسخرية وشر واضح..

فحاولت تلك الأخيرة الصراخ ولكن يد غريبة قد سبقت صوتها...

النهاية ...