تبرجت ولادة بأجمل ما
تتزين به النساء , ولبست أفخر ثوب من ثيابها المطرزة بأبيات شعر لاهبة , لأشهر
شعراء الغزل الماجن , ثم هبطت بغنج زائد , درجات المنزل إلى الطريق المؤدية إلى
مكان الاحتفال الكبير , الذي سيقام خصيصاً لذلك اليوم المشهود يوم تسليم غر ناطة
... !
بدت ولادة لذيذة الطعم , كفاكهة أندلسية أكتمل نضوجها , مثيرة وجذابة
, أنوثتها الطافرة تنز من كلّ مفاتنها , شعرها الأسود مرخ ٍ كليل ٍاختفى قمره ,
لونه القاتم يكلل نصفها الأعلى إلى أسفل ردفيها المكتنزين , ووجهها الحليبي الساحر
يشعّ أبهة ًووقاراً وعيناها الآسرتان تثيران الارتباك والشهوة , كأنهما عينا "
ميدوزا " ما إن ترمق بهما أي رجل ساقه القدر إلى المرور في تلك الطريق , حتى يستمر
في مكانه , مذهولاً ... مأسوراً بجمالها الفتان ... !!! .
عبقها الأنثوي ,
يعبئ المكان , يفوح كأريج صباح ربيعي باكر , من نهارات نيسان الدافئة , مجلواً
بضياء شمس باهرة , انفلت شعاعها من أسر غيم شتاء طويل .
اليوم تسلم غر ناطة ,
بعد أن بيعت في مزاد علني ، حضره حشد كبير من المتفرجين . اشتراها أحد الغرباء بثمن
بخس ونصب نفسه حاكما عليها .
الجميع منهمكون في الاستعداد لهذا اليوم المشهود
... لقد قرروا حضور الاحتفال الكبير ، الذي سيقام تخليدً لهذه المناسبة التي لا
تنسى ... !!! .
ومن أجل أن يأخذ الاحتفال مظهراً كرنفالياً صاخباً ، وجه
حاكم المدينة الجديد دعوات لكل سكان المدينة , كل باسمه ، يدعوهم فيها إلى حضور
الاحتفال الكبير , كتب على كل بطاقة دعوة :" يسر سعادة حاكم غر ناطة الجديد , أن
تلبوا دعوته الرسمية في حضور الفرح الكبير بتسليم غر ناطة ... مدينتكم الجميلة ,
وبما لهذا اليوم من أهمية خاصة , قررنا عدم قبول أي اعتذار عن الحضور ... وكل من
يتخلف , سوف .... ؟ ؟ ؟ "
مدّ المستكفي رأسه البلوري الشفاف , من النافذة
الصغيرة , التي تطل على الطريق , من الدور العلوي ، وصرخ غاضباً : ولادة ... يا
ولادة ... تمهلي ... فالمغني سيتأخر قليلاً ... لأنه مازال نائماً . لقد أمسى
مخموراً , ولم ينم ليله البارحة لحظة واحدة , ... فلم العجلة ... ؟ .
هزت
ولادة رد فيها , معلنة عن عدم الاكتراث لما قاله المستكفي , ومضت في سبيلها ...
تتقدم إلى مكان الاحتفال ... تتقدم شاردة الذهن , وكأنها مساقة سوقاً , بلا وعي ,
وبلا إرادة قالت في نفسها : ياله من مغني كسول ... في كل الاحتفالات السابقة لم
يتأخر أبداً... ! .
ثم طوحت بحقيبة يدها الجلدية السوداء , إلى لا اتجاه ,
ونثرت شعرها الأسود ، بحركة دائرية سريعة من رأسها , فصار شعرها ليلاً دامساً ,غطى
كل جسدها حتى وجهها القمري , اختفى تماماً ظلله سواد قاتم , فاختفت الشمس , وفرّ
الضياء مذعوراً , وعمّ فضاء المدينة ليل حالك الدجنة , حتى ولادة نفسها صارت شبحاً
أسوداً , ... قررت أن تخترق الظلام , وتذوب فيه ... !
__________________