أتقبِّلونَ أبناءَكم !!؟ ..
فقال النبي عليه الصلاة والسلام ، بلى .
قال الرجل : إنَّ لي اثني عشر منَ الولد لم أقبل أحداً منهم قط!! ..
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( مَنْ لا يَرحَمْ لا يُرحَم)
هكذا خَرَجَتْ هذه الكلمات من نبي الرحمة المهداة إلينا ، لذلك الرجل والذي أتى وهو يرفل في أثواب العز والأنفة ، متباهياً بالعدد دون النظرة الحانية ..
خَرَجَتْ هذه الكلمات ليدلَّ أنَّ معنى الرحمة أعم وأشْمل ، وأنَّ أغلى ما يملِكُه المرء في هذه الحياة هم الأبناء ، الذين وهبهم الله كهدايا ونعم علينا ،إكراماً منه وفضلاً للإنسان ، الذي كافح في الحياة وحيداً بحيث يريد لتاريخه الاستمرار ، فكان له ما يتمناه .
إنَّ ( الرحمة ) بابٌ من أبواب ( الحوار البناء ) الذي نفتقده لأبنائنا ، أولئك الذين يحتاجون إلى صدور وسيعة ، مفاتيحها موجودة بأيديهم ، متى ما أرادو أنْ يبثوا شجونهم وشكواهم إلى قريبٍ لهم ؛ وهم الوالدان أوأحدهما ... فالحوار الإيجابي هو الذي يدور بين ربِّ الأسرة وأبناءه ، حوارٌ يوازي إلى مستواهم الثقافي والعلمي ، أضافةً إلى تعزيز المسافات بين الأبِ وأبنائه .
أتعجَّب وأستغرب ممن يقول: ( أولادي هم أغلى الناس ) ثم يخبئ الكلام المهذب والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده ؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة ، والتعامل اللبق ، فالطفل لا يرى من والده إلاَّ ذلكَ المزمْجر ، وذلك الأسد المفترس والذي لا يترك خطأ إلا وأقام بنائه ، أو صحيحاً إلاوهدمه ، أو ذلك الذي يراقبه بأعينِ الشك والريبة ..
فحتى لا نفشل في طريقة الحوار مع أبنائنا ، علينا أن نكون تلك الرحمة التي رزقها الله - جل في علاه -لنا ، وأن نكون ذلك الذي ينظر إليهم برحمة ونظرة حانية ، التي تنطق بأنَّ ليس في الحياة أحداً سواه ، فما ظنك بطفلٍ يأتي مهموماً كئيباً يريد أحداً أن يصغي بما يقوله قلبه ، فلا يجد إلا أمُّه تصغي إلى شاشة التلفاز أو المذياع ، أو ذلك الأب الذي ينشغلُ عن ابنه تماماً فيصغي إلى همسات العمل والماديات ، عندها لا نتألَّم عندما نراه في أحضان الغرباء ، يقفز بين هذا وذاك بل ويرى أنهم أحقُّ من والديه ؛ لأن الغرباء استمعوا إليه ووضعوا آذانهم يصغون إليه قبل أن يصغي إليه أحد من أبناء بيته ، فلا يلبث إلا وينساق خلف كل ما هو يرضي الغرباء .
لذا فإنَّ معظم مشكلات المراهقين اليوم وغداً وبعد غد ؛ هي في عدم فهمنا للحوار معهم ، حوار بنَّاء قائم على الرحمة ، حيثُ يجلس الأب مع ابنه يستمع بكل صدق وأمانة وكأنه صديق قديم له يحاكي مشاعره ، ويآنس وحشته ، ليس ذلك الحوار ؛ حوارالمحقق – أسلوب الآمر والناهي – و ( كلمتي مسموعة ) و(لا يوجد نقاش بعد اليوم) ..
كلا!! .. فنحن بحاجة إلى نقاش يبني في ابنائنا قيماً وآفاقاً مستقبلية ، حيث نعالج فيهم ذلك الماضي المجهول الذي لا يعلمون حقيقته الغائبة ، يعالجون حياتهم المليئة بالمراهقة والبطولات الخيالية ، فالابن أو الطفل يريد صديقاً يفهمه ( لا شرطياً يحميه )، ولذلك يبحث الأبناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب ُمعزولاً عن ابنه في أخطر مراحل حياته .
أروع ما في قصصِ الرحمة هي ، عندما توفيت رقية رضي الله عنها ابنة النبي عليه الصلاة والسلام ،قعدت فاطمةُ على حافةِ القبر وإلى جنب والدها ، فجعلت تبكي والرسول صلى الله عليه وسلم يمسح الدمع عن عينيها بطرف ثوبه ماسكاً يديها بيده يمسح عليهما ...
حتى في أصعب الظروف القاسية يحتاجنا الأبناء ، فلتكن أبوابُ قلوبنا مفتوحة لهم ، لأنهم إذا وجدوها مقفلة ، فسيذهبون إلى أبواب مفتوحة على مصراعيها ...
..