عقاب الأبناء .. مهارة وفن
إن التربية لا تعني الشدة والضرب والتحقير ، كما يظن الكثير ، وإنما هي
مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى كمال ممكن ... هذا وإن ديننا الحنيف
رفع التكليف عن الصغار، ووجه إلى العقاب كوسيلة مساعدة للمربي ليعالج
حالة معينة قد لا تصلح إلا بالعقاب الـمـنـاسـب الـرادع، وذلـك بـعـد سـن
التمييز كما يبدو من الحديث النبوي الشريف: مــروا أولادكـم بالصلاة ، وهم
أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر« ونستشف من هذا الحديث
الشريف أن الضرب من أجــل تعويد الطفل الصلاة لا يصح قبل سن العاشرة
، ويحسن أن يكون التأديب بغير الضرب قـبـل هـذه الـسـن . وأمـا نـوعـيـة
العقاب فليس من الضروري إحداث الألم فيه ، فالتوبيخ العادي الخفيف ،
ولهجة الصوت القاسية مثلاً يحدثان عند الطفل حسن التربية نفس التأثير
الذي يحدثه العقاب الجسمـي الشديد عند من عود على ذلك . وكلما ازداد
العقاب قل تأثيره على الطفل ، بل ربما يـؤدي إلـى الـعـصـيـان وعدم
الاستقـرار . فالعقـاب يجب أن يتناسب مع العمر ، إذ ليس من العدل عقاب
الطـفـل فـي السنة الأولـى أو الـثانية من عمره ، فتقطيب الوجه يكفي مع
هذه السن ، إذ أن الطفل لا يدرك معنى العـقـاب بعد . وفي السنة الثالثة قد
تؤخذ بعض ألعاب الطفل لقاء ما أتى من عمل شاذ.
ولا يصح بحال أن يكـون العقـاب سخرية وتشهيراً أو تنابزاً بالألـقـاب ، كما
قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا
خـَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ
ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْـقَـابِ)) [ الحجرات:11] أين هذا التأديب الرباني ممن
ينادون أبناءهم : يا أعور ، يا أعرج ، فيمتهنون كرامتهم .. أو يعيرونهم
فيجرئونهم على الباطل بندائهم : يا كذاب ... يا لص .
وقد يلجأ الأهل لهذا وفقا لنموذج اجتماعي وأخلاقي .
ويعود ضرب الأبناء من قبل آبائهم إلى أسباب اجتماعية ونفسية وثقافية منها:
1.الجهل التربوي:
العديد من الأهل لا يدركون الآثار السلبيةلأسلوب التسلط على شخصية
الطفل ومستقبله.
2.أسلوب التسلط:
قد ينعكس هذا الأسلوبعلى الأهل من التربية التي عاشوها في صغرهم.
3.الاعتقاد:
بأن أسلوب العنف هو فقطالمجدي من أجل ضبط النظام والهدوء في البيت
وهو أسهل الأساليب للوصول إلى الهدف.
قد يدرك بعض الأهل الآثار السلبية لضرب الأبناء فيمتنعون عن استخدامه
ويلجأونلأسلوب التهكم والسخرية، العقوبة المعنوية والتي لا تقل تأثيرا على
نفسية أبنائهم.
4.الظروف الاجتماعية:
التي يمر بها الأهل في العمل والبيت قد يفرغها أحدالوالدين في إطار الأسرة
مما ينعكس سلبا على نمو ونفسية أطفالهم.
آثار العقاب الجسدي على الأبناء
إن الأطفال الذين يتعرضون للقهر أو للتخويف أو للضرب يحاولونالحصول
على القوة من خلال الانتقام الذي يوجهونه للآخرين لأنهم يحسون بالألم
وسوفيمارسون كل نشاط يؤدي الى إيذاء الآخرين، فالانتقام عند طفل الثانية
قد يحدث منخلال بعثرة أطباق الطعام وبعد بلوغه قد يكون الانتقام من خلال
الجنوح ومقارعة القيمالاجتماعية.
ويؤكد الأخصائي النفسي سامي محاجنة المحاضر في جامعة حيفا أنتأثيرات
العقاب على الفرد قد تتراوح من تأثيرات بسيطة الى تأثيرات مرضية،
·فمنالناحية الأولى البسيطة قد لا يتعلم الطفل شيئا بواسطة العقاب ونحن
أصلا أردنابالعقاب تعليمه أشياء مرغوبة ومنعه عن أمور غير مرغوب بها،
وذلك لأن العقاب أصلامعروف على أنه وسيلة لقمع سلوك غير مرغوب به.
من خلال هذا التعريف لا يمكن للطفل أنيتعلم أشياء جديدة أو ما هي الأشياء
المرغوب بها، بالتالي استعمال العقاب يؤدي الىتقليل احتمالات السلوك بما
أنه لا يتم تعليم الطفل أشياء جديدة وإنما فقط قمعسلوكيات غير مرغوب بها.
·من الناحية الأكثر شدة ، استعمال العقاب القاسي والمتكرر قد يؤديالى نمو
نماذج سلوك مرضية أولها سلوك خنوع بمعنى أنه تنعدم اليه
المبادرةوالاستقلالية والتي قد تترجم بالحياة اليومية الى ما نسميه الخجل
لكن بشكل مبالغفيه حيث ينعدم استعداد الطفل التعبير عن قدراته كذلك قد
ينشأ لديه شعور بالشكبقدراته وذلك لأنه عوقب على سلوكيات قام بها وذلك
بالنسبة له يعني انه غير قادر علىتنسيق سلوكيات ترضي والديه.
·من الناحية الأخرىقد يتكون داخله تراكم لغضب وخيبات أمل كثيرةالتي قد
تترجم بحالات معينة الى انفجارات عنف وغضب شديدة مستقبلا هذه
السلوكيات قدتصبح أشد، مما يؤدي الى رؤية شخصية سلبية تجاه الذات
والأصعب كما تشدد الأبحاث أنهغالبا ما يتحول هذا الطفل المعاقب الى أم أو
أب معاقب.
وقد صدرت مؤخرا من جامعة نيو هامشبر البريطانية دراسة علمية تؤكدأن
التلاميذ الذين تعرضوا للضرب كثيرا في المنزل تدهورت قدراتهم في
التفكيروالقراءة والحساب.
ويؤكد العامل الاجتماعي أحمد سليمان أن هناك تأثيرا آخر للعقاب البدني
على الطفل يتمثل في تكوين ميول واتجاهات سلبية نحو الشخص المعاقب مثل
كراهيةالأب والأم أو المعلم وتظل هذه الكراهية سببا يعوق تقدمه دائما في
الحياة العمليةوتحول دون أن يكون عضوا مؤثرا في مجتمعه، كما وأكد على
ظاهرة وراثة العنف من الآباءالى الأبناء وأشار الى دراسة علمية تبين أن
96٪ من الآباء الذين يضربون أبناءهم قدتعرضوا للضرب في صغرهم.